Rabu, 06 Februari 2013



 تغيير المحاور الدولية تجاه الاحتلال الإسرائيلي  لفلسطين

الدكتور داود عبد الله مدير ميدل إيست مونيتور، لندن

ورقة قدمت في مؤتمر دولي  للقدس نظمته من قبل مجموعة العمل للأقصى في باندونغ إندونيسيا 4-5 يوليو  2012

"من الحتمل ان نعتقد ان الصراع العربي الاسرائيلي مجرد صراع اقليمي كأصرع اخر. لكن الأمر ليس كذلك. ليس هناك أي صراع آخر  بعيدا عن ساحة المعركة يحمل رمزية قوية وعبئ عاطفي بين الناس" 1


هكذا قال الأمين العام السابق للامم المتحدة، كوفي عنان خلال خطابه الأخير أمام الجمعية العامة في 19 سبتمبر 2006. وأشار الامين السابق  إلى أن معظم مشاكل العالم قد اكتسبت بعدا عالميا والتي يجب أن تحل عن طريق اتخاذ إجراء عالمي. فهذا التقرير يبحث عن المحاور الدولية الراهنة تجاه الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وما هو الحل المطلوب لانهائها. هذا التقرير يوضح  أيضا التحولات في المفاهيم العامة وخصوصا بعد اجتياح اسرائيل للبنان (2006) وغزة (2008) وقتلها تسعة مواطنين اتراك على متن أسطول الحرية في عام 2010.

 ولكي نقدر الأسباب الكامنة وراء الحملات الحالية، لابد من فحص وجيز حول معالم فلسطين التاريخية. فهنا يجب ان يشار الى ان دولة إسرائيل اتت الى حيز الوجود بعد خطة الأمم المتحدة للتقسيم 1947، وذالك كان ضد رغبات الشعب الفلسطيني. فالشعب الفلسطيني اعرض عليها  باعتبارها خطة غير عادلة لأنها تمنح 56٪ من أرض فلسطين التاريخية إلى الاجئين اليهود. في ذلك الوقت، كان هناك نحو 450000 يهودي في فلسطين، حيث ان معظمهم قد اتوا من أوروبا في الثلاثينات والأربعينات. من ناحية أخرى كان هناك ما يقرب من مليون فلسطينين  يملكون حوالي 94 بالمائة من وطنهم في حين أن اليهود كانوا يملكون  6 بالمائة فقط.

 فمنذ عام 1948،قد كافح المجتمع الدولي لتحقيق حل عادل ودائم لهذه المشكلة وذلك على أساس نموذج دولتين  يقوم فيه كل من الشعبين بممارسة السيادة في دولتهم. ولكن ذالك لم يتحقق بل أصبح من غير المحتمل بسبب احتلال إسرائيل للأراضي المخصصة لدولة فلسطين. فالأراضي التي احتلت عام 1967 لا تشكل سوى 22٪ من فلسطين التاريخية وهي أقل بكثير مما اقترحته اللأمم المتحدة  في عام 1947.

 خلال العقدين الماضيين، ظهرت نهجين متميزتان  ومتباينتان  تجاه الاحتلال. الاولى مثلت من قبل منظمة التحرير الفلسطينية وذالك من أكبر فصيل لها ةهي حركة فتح، والآخر من قبل حركة المقاومة الاسلامية (حماس) . عندما أسست منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1964 كان هدفها الأساسي هو "التحرير" الإجمالي لفلسطين. خلال تلك الفترة ارتبط الكفاح الفلسطيني إلى الكفاح ضد الاستعمار التي كانت جارية في أجزاء من أفريقيا. ووفقا لميثاقها أيدت الجمعية العامة للأمم المتحدة  كفاح جميع الشعوب ضد الأنظمة العنصرية والهيمنة الاستعمارية والاحتلال الأجنبي. فأحد القرارات الهامة التي اعتمدت عليه في قضية التحرر الوطني هو قرار 2787  يوم 6 ديسمبر 1971, التي أكدت شرعية كفاح الشعوب من أجل تقرير المصير والتحرر من السيطرة الاستعمارية والأجنبية والقهر الأجنبي ولا سيما في أفريقيا الجنوبية  وكذلك من جانب الشعب الفلسطيني من خلال كل الوسائل المتاحة بما يتفق مع ميثاق الأمم المتحدة.
  
 فبعد تدمير القدرات العسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان في عام 1982 ونفي قادتها الى تونس واليمن وأماكن أخرى بعيدة عن حدود إسرائيل جنحت المنظمة تدريجيا نحو التوصل الى تسوية عن طريق التفاوض مع اسرائيل التي بلغ ذروته في اتفاق اوسلو عام 1993 حيث اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية  بدولة إسرائيل على 78٪ من فلسطين التاريخية مقابل دولة فلسطينية على 22٪ المتبقية بما فيها القدس.

 فمنذ البداية اعترضت حماس على الاتفاقية ومن ثم رفضت بإصرار الاعتراف بدولة إسرائيل أو حقها في الاراضي التي تمت مصادرتها من الفلسطينيين. ومن ثم فقد عرضت حماس هدنة لمدة محددة على أساس الاحتياجات والمصالح المتبادلة. 2   فحماس تصر على أن هذا المفهوم متجذر في الفقه الإسلامي ولذا العقد شرعي وملزم. وهكذا ففي ظل الظروف الراهنة، فإن الحركة تسعى إلى استعادة بعض الأراضي المفقودة واطلاق سراح السجناء في مقابل وقف الأعمال العدائية.

 هناك مصادر مقربة من حركة حماس تقارن هذا النهج إلى الجيش الجمهوري الايرلندي عندما وافقت على التفاوض من اجل انهاء الصراع في ايرلندا الشمالية وذالك كان من دون الاعتراف بالسيادة البريطانية على ارضها أو التخلي عن تطلعهم لتوحيد ايرلندا. ففي السياق نفسه هناك أصوات مرموقة  بالحذر, تشير هذه الاصوات إلى أنه منذ منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح  قدموا تنازلات ملموسة في الضفة الغربية التي لم تسفر عن شيء، ينبغي على حماس الامتناع عن الإدلاء بتصريحات حول اقامة دولة فلسطينية داخل حدود عام  1967.
  
 السياسات الرسمية
  
 في حين أن الرأي العام الدولي  قد تغير جذريا في العقد الماضي على الاحتلال، فقد ظلت السياسات الرسمية ثابتة . ففي أوروبا على سبيل المثال قد ازداد غضب الرأي العام على نحو متزايد لتجاهل اسرائيل للقوانين الدولية. فحتى الآن لا تزال الحكومات الدولية تتكيف مع سياسات تل أبيب الغير مشروعة.  فالتصور العام يدل الى حين أن الحكومات الغربية تردد باستمرار  شعار ايجاد "دولتين" يسكوون جنبا إلى جنب في سلام، فإنها لا تفعل شيئا لوقف الاستيلاء والسرقة للأراضي الفلسطينية.

 داخل الساحة الدولية هناك أدلة كثيرة على أن الأمم المتحدة  واسرائيل وحليفتها الرئيسية الولايات المتحدة في أقلية معزولة. ففي 18 فبراير 2011 اتحد المجتمع الدولي في شبه إجماع على دعم قرار يدين الاستيطان الاسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وقد دعم القرار ١٣٠ عضوا  قبل عرضه على مجلس الأمن حيث 14 عضوا صوتوا لصالحه، إلا أن هذا القرار رفض من قبل الولايات المتحدة. فتجاهل هذه المبادئ الديمقراطية لتعزيز وحماية مصالح إسرائيل وإلى حد كبير يعرقل الجهود الدولية لإنهاء الاحتلال.

 ففي 2011 كان هناك تطور لافت  لتبيين وضوح التفكير العالمي  في قبول  فلسطين إلى عضوية اليونسكو.ومن ثم فقد صوتت 107  دولة لصالح القرار، مقابل 14 دولة معارضة  و21 كانوا غائبين. وقد بين  المقرر الخاص للأمم المتحدة ريتشارد فولك بإن هذه الأرقام لاتروي القصة  بكمالها. وفي حد تعبيريه لم يظهروا المسؤولون "التواء الذراع " المعروف باسم الجغرافيا السياسية التي كانت سببا في انشاء هذه  الكيانات السياسية  الهامشية  ك ساموا وجزر سليمان وبالاو وفانواتو إلى الوقوف ضد الرأي العام العالمي والأخلاق الدولية من خلال التصويت ضد قبول فلسطينين كعضو في منظمة اليونسكو. "3

 على الرغم من  البحوث والمنشورات المتزايدة من قبل أكاديميين ومحللين بارزيين، التي تشير الى ان الحكومات الغربية قد سمحت لاسرائيل العمل من غير اعتبار  للقانون والإفلات من العقاب. ولقد لاحظ  الباحث الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد "بأن اسرائيل هي فريدة من نوعها في العالم بسبب  الأعذار التي تقدم نيابة عنها". وأشار كذلك إلى أن الصحفيين والشخصيات السياسية والثقافية والفكرية لا سيما في الولايات المتحدة وأوروبا، تدش إسرائيل بوش المديح على الرغم من أنهم يرون طغيانها.4   وأوضح ايضا أن العديد من هؤلاء الأفراد لا يكتبون ما يعرفونه صحيحا  لأنهم يخشون من الانتقام والتهميش.

 فالموقف الرسمي للدول الغربية بل وجامعة الدول العربية، هو وجود دولتين تتعايشان في أرض فلسطين العتيقة الطراز. وتحت وصاية مبعوث اللجنة الرباعية الدولية توني بلير كان هناك مسعى لتعزيز الحل الاقتصادي وذالك باستدعائه  إلى تطوير بعض المواقع السياحية في مناطق مثل بيت لحم، وبعض المجمعات الصناعية باعتبارها وسيلة للخروج من هذا المأزق. ولكن في حقيقة الامر، فإن الواقع الذي يرفض بلير الاعتراف به هو أنه لن يكون هناك أي تقدم ملموسا  اقتصاديا أو سياسيا في ظل الاحتلال العسكري. فرغم كل النواي وا المساعدات الغربية، لم يتم انهاء الاحتلال أو تحقيق التنمية والازدهار طالما يسمح لإسرائيل النهب للموارد الفلسطينية وهدم منازلهم وجرف أراضيهم الزراعية.

الرأي العام العالمي

ووفقا لاستطلاعات الرأي الوطنية لبي بي سي  عام 2012 الرأي العام قد مال في كل قارة بشكل حاسم ضد إسرائيل. فمن بين 24090 نسمة في 22 دولة الذي شملهم هذا الاستطلاع ،أظهر المسح أن 50 بالمائة لديهم آراء سلبية تجاح إسرائيل، وذالك زيادة قدرها ثلاث نقاط من عام 2011. وبشكل ملحوظ، لقد استمرت اسرائيل في تراجع حتى بين الحلفاء التقليديين والقوات الناشئة. ففي اروبا لقد ترسخت في الاذهان صورة سلبية .

فقد ازدادت وجهات نظر سلبية عن إسرائيل في إسبانيا 74 بالمائة بزيادة 8 نقاط من عام 2011، وفي فرنسا 65 بالمائة بزيادة 9 نقاط. وحتى في كندا واستراليا لقد ساء الرأي العام عن إسرائيل. ففي استراليا ازدادة هذه الأصوات السلبية  ب7 نقاط إلى 65 بالمائة ، و ب7 نقاط  الى 59  بالمائة في كندا. فهذه نفس الصورة بين القوات الناشئة. فموقف إسرائيل  قد تدهور في الاتحاد الأوروبي وكذلك بين القوات الناشئة.

 فالاستطلاع في الصين  قد كشف تراجعا ب 9 نقاط تاركا  23٪ صورة  إيجابية و45٪ صورة سلبية . وفي الهند ارتفع التصورات السلبية ب 11 نقطة مما أدى إلى تطلع سلبي يوافق 29٪ و 17٪ تطلع  ايجابي. وفي روسيا لقد تحول الرأي العام الإيجابي في عام 2011 ليجري تقسيمها في عام 2012 بنسبة 25٪ إيجابية و 26٪ يحملون آراء سلبية. أما بالنسبة للبرازيل، فإنها لا تزال غير مواتية لنفوذ إسرائيل، مع أغلبية 58٪  مستقرة  تصنف اسرائيل سلبا. 5

على عكس ما يدعيه مدافعوا  إسرائيل، هذا التصلب في الرأي في أنحاء العالم ليس بسبب معاداة السامية، بل بسبب سياساتها  العنصرية ومخالفتها للقانوانين الدولية. فاستمرار  احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية والعربية الأخرى وانتهاكاتها للقوانين الانسانية الدولية ومحاولاتها لتغيير وضع القدس من خلال سياسات "التهويد"،وهذا الحال قد نشاء  بسبب استمرار إذعان  الحكومات الغربية.

 دروس للمستقبل

 إذا كانت الهجمات التي وقعت في 11 سبتمبر 2001 نقطة تحول في تفكير الأمن العالمي والتحالفات، فمؤتمر الأمم المتحدة العالمي الذي عقد في ديربان تلك السنة ضد العنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب كان أيضا نقطة تحول في التأييد الدولي للقضية الفلسطينية. فقد اصدرت (4000) منظمات غير الحكومية اعلانا يدعو الى تضافر الجهود الدولية ضد الفصل العنصري الإسرائيلي.

 فقد قدم إعلان ديربان  برنامجا لتطوير العمل الشعبي الفعال من أجل استعادة الحقوق الفلسطينية. فالمادة 164 تقر بان  ضحايا  الفصل العنصري والتطهير العرقي الإسرائيلة كان ولا سيما الأطفال والنساء واللاجئين. و بناء على ذلك فقد دعت  المادة 425 المجتمع الدولي إلى فرض سياسة العزل التام لإسرائيل كدولة فصل عنصري.

 في الماضي، تم وضع الكثير من أوجه التشابه الإيديولوجي بين الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وإسرائيل الصهيونية. ومع ذلك لم تمنوا هذه المفهومية  الى حركة دعوة عالمية لخدمة القضية الفلسطينية. بل نجحت جنوب أفريقيا في هذا الصدد, لم ينجحوا فقط في استخراج قرارات الأمم المتحدة التي تدين الفصل العنصري كنظام بغيضة؛ ولكن الأهم من ذلك أنها اقنعت المجتمع العالمي أنه عامل مزعزع للاستقرار في العلاقات الدولية.

فبالنسبة لفلسطين، التحدي ليس إعادة كتابة أو استحداث قوانين جديدة, بل ما هو مطلوب بشكل حاسم  هو تنفيذ القوانين القائمة، ولاسيما حينما تنتهك هذه القوانين. فالفصل العنصري الإسرائيلي  قضية مهمة. الفصل العنصري ليست جريمة عادية.انما هي جريمة ضد الانسانية والتي يعاقب عليها الدول الموقعة على اتفاقية عام 1976 الدولية لقمع ومعاقبة جريمة الفصل العنصري.

 فوجود نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا حفز حركة عالمية خلال الثمانينات والتسعينات.فهنا يجب أن تطور حركة مماثلة فيما يتعلق بإسرائيل. وقد كتب رئيس أساقفة كيب تاون السابق القس ديزموند توتو في مقال نشر مؤخرا، "السود في جنوب أفريقيا وبلدان أخرى في العالم قد شهدوا تقرير منظمة رصد حقوق الإنسان عام 2010  الذي ' يصف النظام ذوا مستويين من القوانين والقواعد والخدمات التي تعمل إسرائيل على الشعبين  في مناطق  الضفة الغربية الخاضعة لسيطرتها الحصرية، التي توفر خدمات تفضيلية وتنمية وفوائد للمستوطنين اليهود في حين تفرض شروط قاسية على الفلسطينيين. " وهذا، في اعتقادي هو عين الفصل العنصري وذلك أمر لا يمكن تبريره ".6

 وقد سجلت مشاعر مماثلة للنائب العام الإسرائيلي السابق مايكل بن يائير، في الصحيفة الإسرائيلية "هآرتس"، يوم 3 مارس 2002:

 بتحمس اخترنا ان نصبح شعباً استعماري يتجاهل المعاهدات الدولية ومصادرة الأراضي, ننقل مستعمرين من إسرائيل إلى الأراضي المحتلة, مشغولون بالسرقة وإيجاد مبرراً لهذه العمليات. وبرغبتنا المنفعلة للحفاظ على الأراضي المحتلة, قمنا بتطوير قضائ ذوا مسارين: الاولى التقدمية والليبرالية في إسرائيل والآخر قاسي وتجريهي في الأراضي المحتلة. وفي الواقع قد قمنا بأنشأ نظام الفصل العنصري في الأراضي المحتلة فور القبض عليهم. فذلك النظام القمعي موجودا حتى يومنا هذا.

 ففي العقد الماضي قد اصبحت هذه الآراء أكثر انتشارا. وقد شهد برنامج  الأعمال العالمي للحقوق الفلسطينية  تحولاً نحو زيادة الدعوة السياسية. اليوم هناك شعور متنام بأن إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة حقيقية لن تتحقق أي وقت في المستقبل القريب.

فالعواقب التي تتعرض حول قيام دولة فلسطينية ذات معنى في تزايد وذلك خاصة بسبب انشاء  المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية.  فالآن يوجد حوالي 600000  مستوطن يهودي  وذلك ثلاثة إضعاف المسطونات التي وجدت في بداية عملية أوسلو للسلام في عام 1993. فأعدادهم تستمر بارتفاع  مفزع.

 من الواضح كان عدم تطبيق القانون الإنساني الدولي في فلسطين  أحد الأسباب الجذرية للصراع  والاضطرابات . فأينما وجدت توفير حقوق متفوقة وحصرية لمجموعة من الناس على آخر اصبح ذلك وصفة للاضطهاد والصراع. ففلسطين ليست باستثناء، ولهذا السبب  فان الصراع لا يزال مصدرا خطيرا لزعزعة الاستقرار العالمي.

 ومن قبل عدم استعدادهم لإدانة إسرائيل عن انتهاكاتها للقانون الدولي، عززت الحكومات الغربية من ثقافة الإفلات من العقاب.

فعدم الرغبة من قبل الحكومات الغربية في توجيه اللوم إلى إسرائيل لانتهاكاتها للقانون الدولي قد عزز ثقافة الإفلات من العقاب. فهذه العواقب المدمرة للغاية اددت الى نتائج عكسية. من جهة، اصبح هناك خسارة كبيرة للثقة والمصداقية. ومن ثم فان التاييد العلني من قبل الدول الغربية  لإسرائيل قد خفض فرصهم في القيام بدور مفيد في حل النزاع. بطبيعة الحال، سيكون مضللاً التأكيد بأن النهج الغربي للصراع متآلف. فقد أظهرت البلدان الاقل تاثيرا وخاصة الدول الاسكندنافية استعدادهم في تحدي الاتجاه السائد .ففي كانون الثاني/يناير 2012 استضاف  الاتحاد البرلماني الدولي في مقرها في جنيف وفد من أعضاء المجلس التشريعي من كتلة الاصلاح والتغيير لحماس . فقد كانت هذه اول زيارة رسمية  من نوعها منذ فوز حماس في الانتخابات البرلمانية في عام 2006. و تتزامن ذلك مع محادثات مماثلة جرت في القاهرة بين مبعوث السلام السويسرية للشرق الأوسط، جان-دانيال رخ، وأعضاء من المكتب السياسي لحركة حماس برئاسة خالد مشعل.

 هذا التحول العالمي في الرأي العام لم يمكن  ليحدث  من دون إمكانية أكبر للوصول إلى المعلومات والتواصل الافضل الى فهم الصراع. لكن استمرار الجهل  العنيد  حول بعض القضايا التي طالما وجدت في القانون الدولية ربما تعبر عن تحيز وسائل الإعلام أو عدم كفاية التغطية.   وبالتالي، يمكن ان يكون أيضا ناتجت عن حملات الدعائية التي يقوم بها جهاز العلاقات العامة الإسرائيلية في أوروبا. أيا كان السبب، التحول في الرأي العام  ليس فقط بسبب نجاح لوبي مؤيد للفلسطينيين.   

 الربيع العربي وفلسطينن

قد ادى نجاح الثورة التونسية والثورة المصرية واستمرار الانتفاضات في العديد من البلدان الأخرى الى تساؤلات حول تأثيرها على الصراع  في فلسطين. كان اقلاع الأنظمة الاستبدادية في تونس ومصر وليبيا واليمن لكثير من المراقبين علامة الخطوة الأولى نحو استعادة الحقوق الفلسطينية. فهذه الدكتارويات المدعومة من الغرب منذ عقود ولا سيما نظام مبارك في مصر تعاونوا بسهولة مع اسرائيل،غالبا على حساب الفلسطنيين. رغم  أن الحكومات المنتخبة حديثا سوف يركزون على التحديات المحلية في بلدانهم، الا انهم أعلنوا عن تأييدهم المطلق للشعب الفلسطيني في سعيه للحرية والعدالة والاستقلال.

ومن المتوقع أيضا أن نجاح الثورات العربية سوف تأثر على السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية. لن تتوقف المطالب الشعبية للحقوق الديمقراطية في القاهرة. في هذه الحقبة الجديدة من سلطة الشعب والديمقراطية سيكون من الصعب جدا لحركة فتح  الحفاظ على هيمنتها الطويلة  للحركة الوطنية الفلسطينية، وذلك  بسبب شعبية حماس. وبالتالي يجب تفعيل محادثات المصالحة بين الفصيلين لتجديد وبث حياة جديدة في المشروع الوطني الفلسطيني. وعلى مستوى آخر،  يتوقع أن التغيرات التي حدثت في المنطقة سوف تساعد على عزل القيادة الفلسطينية عن النفوذ الاسرائيلي والاميركي في عملية صنع القرارات الخاصة بهم. على الرغم من التقدم البطيء، الفلسطينيين عبر الاقسام السياسية يعترفون الآن بالحاجة إلى إعادة بناء شاملة لمنظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني الفلسطيني، وللهيئة التشريعية العليا للشعب الفلسطيني كافة، داخل فلسطين وفي الخارج. فالهدف هو جعل كلا الطرفين أكثر تمثيلاً لإرادة جميع الفلسطينيين مما سيمكنهم الى اخذ الطريق نحو الاستقلال التي طالما حرموا منه. ومن الواضح أن المطلب المألوف اليوم ليس فقط لوضع نهاية للانقسام الداخلي، لكن أيضا دور في عملية صنع القرار.

ففي أعقاب الانتفاضات العربية، الاحزاب الاسلامية اصبحوا قوة سائدة في المنطقة، وهذا هو الحال أيضا بين الفلسطينيين. أيا كان الوضع  الحالي في الحكومة أو المعارضة فانهم جميعا  ملزمين للقضية الفلسطينية. فـأهدافهم في ما يتعلق بفلسطين هو التغلب على الاحتلال والاستعمار والمصادرة وضمان عودة الشعب الفلسطيني في المنفى. على هذا النحو، مشكلتهم هي مع المشروع الصهيوني ودولة اسرائيل وليس مع الوجود اليهودي في فلسطين.

ما الذي يمكن عمله؟

هذا التقييم للمواقف العالمية تجاه الاحتلال الإسرائيلي قد حددت تغييرا كبيرا في التصورات العامة، التي يمكن استخدامه لتعزيز القضية الفلسطينية. يتزايد الدعم للشعب الفلسطيني في أجزاء كثيرة من العالم، لا سيما داخل الحركات النقابية والمنظمات غير الحكومية وهيئات المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية. فلسطين لم تعد تعتبر قضية الشعب الفلسطيني والمسلمين أو العرب فقط، بل انها قضية كل الشعوب التقدمية والذين يسعون إلى العدالة في العالم. فقد أصبحت احدا  الأسباب المعنوية والسياسية في عصرنا، الذي يوحد بين الناس في كل مكان.

الكامنة وراء هذا التحول هو حقيقة أن إسرائيل لن تغير طوعا سياساتها تجاه الشعب الفلسطيني، والسماح لهم بممارسة حقوقهم المعترف بها دوليا. وبالمثل، أصبح واضحا للفلسطينيين بأنهم لا يستطيعون الاعتماد على الغرب للقيام بدور الوسيط النزيه مع دولة إسرائيل. وقد قدم ظهور القوى الاقتصادية والعسكرية والصناعية الجديدة في آسيا وأمريكا اللاتينية فرصاً طيبة لتشكيل حركة عالمية من أجل استعادة الحقوق  الفلسطينية. تبقى الآن لهذه الحركة مواجهة إسرائيل بعواقب أعمالها القانونية والسياسية.

 القانونية

ولقد شهد العقد الماضي عددا من التطورات الهامة التي يبذلها المجتمع الدولي لتعزيز العدالة الدولية وحقوق الإنسان. وقد تجلى هذا، على سبيل المثال في إنشاء المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. أسست المحكمة الجنائية الدولية  في محاولة لوضع حد للمجرمين الذين يرتكبون أشد الجرائم خطورة من الإفلات من العقاب ، بما في ذلك جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية والابادة الجماعية.

الحاجة الملحة لإنشاء هذه الهيئة المستقلة، ضمان أن لا يفلت أي فرد من العقاب، وقد عزز ذلك  بحروب البلقان في التسعينات، فضلا عن الإبادة الجماعية في رواندا في عام  1994. ومع ذلك، في حين تم تعيين محاكم خاصة لمحاكمة الجرائم    التي ارتكبت في تلك المناطق، لم تبذل جهود مماثلة للقبض على مسؤولون إسرائيليون  لجرائمهم ضد الشعب الفلسطيني، وذلك على الرغم من دعوات عديدة من منظمات حقوق الإنسان ووكالات الأمم المتحدة. فمبدأ الاختصاص القضائى العالمي التي تنص عليه اتفاقية جنيف الرابعة يؤكد أن بعض الجرائم البشعة  لا يمكن ان  تكون محاكمة مرتكبيها اقليميا فحسب، بل انها عالمية أيضا.7

وحتى الآن لقد تهرب الإسرائيليون المشتبه بهم في جريمة حرب من الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية وذلك لسببين. الاولى هو ان إسرائيل ليست من الدول الموقعة على معاهدة روما التي جلبت الى حيز الوجود المحكمة الجنائية الدولية. فمعاهدة روما 1998 تسمح فقط بالولاية القضائية على الجرائم التي ارتكبت في إقليم دولة أو التي تنطوي على مواطن دولة من الدول الموقعة.

وفقا لذلك، هناك حجة أن الفلسطينيين لن تكون قادرة على تحقيق العدالة بشكل مستقل في المحكمة الجنائية الدولية الـى اذا كان لديهم دولة مستقلة. ولكن هناك طريقة للتغلب على هذا، وذلك عن طريق السعي لمقاضاة بموجب المادتين 146 و 147 التي تلزم الأطراف المتعاقدة على سن القوانين المحلية التي من شأنها تمكن "الاختصاص العالمي" لانتهاكات خطيرة لاتفاقيات. ولتحقيق هذه الغاية قدمت العديد من القضايا في المملكة المتحدة ضد مسؤولين اسرائيليين وصدرت أوامر للقبض عليهم. وكان أبرزها تلك التي صدرت بحق وزير الخارجية السابق الإسرائيلية، تسيبي ليفني، في ديسمبر 2009.

ونظرا لفشل الحكومات والمؤسسات الدولية لضمان العدالة للشعب الفلسطيني، المحكمة راسل في فلسطين (رتوب) أنشئت. وتأمل برفع مستويات الوعي العالمي للضغط على صناع القرار للنظر في الحقائق المحيطة بالقمع الإسرائيلي للشعب الفلسطيني. ولقد تم تعيين محكمة روسل حول فلسطين لفشل الحكومات والمؤسسات الدولية لضمان العدالة للشعب الفلسطيني. وفي أعقاب نجاح دورتين في برشلونة ولندن، تم عقد دورة ثالثة في كيب تاون في عام 2011.

عادة ما يعتبر الاحتلال مرحلة مؤقتة في اعقاب الغزومن بلد واحد الى الآخر. لكن هذا لم يكن الحال بالنسبة لإسرائيل. فمنذ أكثر من أربعة عقود بعد عام 1967 من الاستيلاء على مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية، إسرائيل لا تزال تحتل تلك الأراضي.  فالاحتلال الإسرائيلي تتميز بعناصر الاستعمار والديكتاتورية والقمع وسياسات الفصل العنصري الشبيهة. ولهذه الأسباب ينبغي أن لا يدخر أي جهد لمحاكمة المسؤولين عن هذه الممارسات الغير المشروعة.

بعيدا عن كونه حدث واحد ينجح أو يفشل في لحظة ما،  يجب أن تعالج بعملية استخدام القانون الدولية. وثمة مثال جيد على كيفية عمل هذا الحكم سنة 1971 من قبل محكمة العدل الدولية  على أن الاحتلال في جنوب أفريقيا من ناميبيا كان غير قانوني، فقد ادى ذلك إلى إصدار عقوبات دولية ضد نظام الفصل العنصري. حركة التضامن العالمي من أجل حقوق الفلسطينيين لم تتمكن من استفادة مماثلة من حكم محكمة العدل الدولية عام 2004 الذي يحدد الجدار غير القانوني في إسرائيل وانتهاكات الاحتلال للقانون الدولي.

استخدام الاجراءات القانونية الفعالة يمكن أن تقدم غرضين مهمين. الاولى، يمكن أن تساعد على تغيير السلوك، وثانيا إعطاء الشعب المحتل ومؤيديهم أعلى المعايير الأخلاقية، فقضية فيتنام توضح  هذه النقطة. على رغم من أن الولايات المتحدة كان لديها القوة العسكرية الى أنها خسرت الحرب بسبب المقاومة  الفيتنامية وحشدهم الماهرة  للرأي العام العالمي لدعم قضيتهم؛ مما ادى لإقناع قادة العالم ووسائل الإعلام بان العدالة كانت معهم.

 المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات

 في حالة عدم وجود عملية تفاوضية ذات مصداقية، وفشل الدبلوماسية الدولية الخيار الواقعي الوحيد في هذه المرحلة هي المقاطعة العالمية و حملة سحب الاستثمارات والعقوبات. هذه الطريقة غير المباشرة للتحدي وممارسة الضغط تكتسب زخما وأصبح لها بالفعل نجاحا كبيرا.

في جنوب أفريقيا، ويبدو أن احتمال إنهاء الفصل العنصري كان شبه مستحيل، نظراً لعدم التوازن في القوى العسكرية والسياسية مكدسة ضد جنوب أفريقيا الناس. وكانت معظم البلدان الغربية الدعم الكامل لنظام الفصل العنصري لأن لها مصالح استراتيجية واقتصادية هامة جداً في البلاد, ، كان يبدو في جنوب افريقيا ان احتمال انهاء نظام الفصل العنصري كان شبه مستحيل نظرا  لعدم التوازن في القوى العسكري والسياسي المكدسة ضد شعب جنوب افريقيا. وكانت معظم الدول الغربية تدعم بشكل كامل نظام الفصل العنصري لأنها كانت مهمة جدا لمصالح استراتيجية واقتصادية . ولكن  عند تغير اسلوب الحملة العالمية المناهضة للفصل العنصري  ماقد كان يبدو مستحيلاً في جنوب أفريقيا فجأة أصبح ممكنا.

فالواقع المرير على أرض فلسطين المحتلة يؤدي إلى مقاطعة شاملة لإسرائيل ومؤسساتها متواطئة ليس فقط واجبا أخلاقيا وإنما أيضا ضرورة سياسية ملحة. إسرائيل ليست فقط مدانة  في الاحتلال الاستعمار والفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني،  بل انها اعتمدت على سياسات  لمنع استعادة حقوقهم. ولذلك يجب الدعم الكامل  لحركة المقاطعة.

النضال الفلسطيني من أجل الحرية والاستقلال أصبح السبب الدولي البارز للعقد الأول من القرن الحادي والعشرين. فقد أصبحت تهيمن على اهتمام  العالم بنفس درجة النضال الفيتنامية ضد الإمبريالية الأمريكية والكفاح ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. التحول الذي حدث في النظام العالمي والمجتمع البشري في مطلع القرن الحادي والعشرين تتطلب عولمة ليس فقط من جانب الحكومات بل من قبل الشعوب كذلك. 8 ". كما اشار كوفي أنان، القرن الجديد يتطلب خروجاً عن الماضي من الجهات الفاعلة الوحيدة لنظام عالمي الى الحكم والمشاركة الشعبية لإنهاء احتلال فلسطين.
2 . A. Tamimi, “the Inclusion and Exclusion of Hamas” in D. Abdullah & I Hewitt (eds), The Battle for Public Opinion in Europe (MEMO Publishers, London:2012), p.163
3 . R. Falk, “Welcoming Palestine to UNESCO, Al Jazeera net, 13 December 2011
4 . I. Shahak, Jewish History, Jewish Religion (Pluto Press, London:2002), p.ix
6 . D. Tutu, “Justice requires action to stop subjugation of Palestinians” in Tampa Bay Times, 1 May, 2012
7 . L. King, Universal Jurisdiction: Still Trying to Try Sharon, MERIP Press Information Note 102, 30 July 2002
8 . Z. Al Milad, “Islamic Thought and the Issue of Globalization”, Middle East Affairs Journal, Vol. 5, No 1-2,  Winter/Spring 1999, p.28

0 komentar:

Posting Komentar

  • RSS
  • Delicious
  • Digg
  • Facebook
  • Twitter
  • Linkedin
  • Youtube